الثلاثاء، 1 فبراير 2011

تذكر فقط.. ليسوا أنبياء



درجت العادة على الاستشهاد بأقوال العظماء وآراء المشاهير لإثبات وجهة نظرنا في أي قضية نتجادل فيها.. فكلامنا تعظم أهميته وحججنا يزداد وزنها ان عاضدناها بأقوال مثل (الشيخ الفلاني أفتى بكذا وكذا) أو (الرازي اثبت خطأ ماتقول ) أو (ابن سينا قال عكس ذلك)…

وحين يقحم احدهم أسماء كهذه في كلامه فكأنه يبلغك بان حربك ليست معه بل مع عظماء لاتساوي أمامهم شيئا ناهيك عن كسب آراء المحيطين به…!!

وبالطبع يزداد تأثير من نستشهد بكلامه كلما تقادم به العهد أو نال حظا وافرا من الشهرة. ولكن ان تتبعنا الحقيقة بتجرد (بعيدا عن أي تأثير مسبق) سنكتشف ان العظماء أيضا يقعون في الأخطاء وقد يتعصبون لها...

ولأسباب (يفهمها القراء) سأتجاوز الحديث عن فتاو مبتورة أو خاطئة أصبحت في مقام النصوص المقدسة لمجرد أنها صدرت عن احد شيخين : إما مشهور وصاحب منصب رسمي؛ أو قديم زاده الدهر هيبة وأصبح في مقام من يستشهد برأيه ويخطأ من يعارض قوله (.....)

أما ان تحدثنا عن الإغريق (وتلك أمة قد خلت) فسنكتشف ان الفيلسوف المعروف أرسطو طاليس رغم شهرته وعظم تأثيره تبنى آراء خاطئة وساذجة لدرجة طفولية.. وليس في هذا شيء غريب؛ فأرسطو (بعد إزالة تأثير الشهرة وتقادم العهد) ليس إلا بشرا يخطئ ويصيب وكان معاصروه يعارضونه بدون ان يخضعوا لأي إرهاب فكري.. فمن ارائه الخاطئة مثلا القول بأن الأرض هي مركز الكون وأن العالم مكون من أربعة عناصر (هي الماء والهواء والتراب والنار) وادعاؤه ان الجسم ذو الثقل الأكبر يهبط الى الأرض بشكل أسرع وهو الرأي الذي فصل بسببه غاليليو من جامعة بيزا حين عارضه!!!

وإذا أخذنا جولة تاريخية سريعة سنكتشف العديد من الآراء الساذجة التي يُستغرب ظهورها من عظماء كبار:

- فالفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت (1596 1650) رغم انه رائد التفكير المنطقي إلا انه كان يعتقد أن القردة تستطيع التحدث ولكنها تخفى ذلك خوفا من البشر…

- وكتاب القانون لابن سينا يضم الكثير من الآراء الطبية الخاطئة (مثل القول بأن مركز الذكاء في القلب) ومع ذلك بقى مرجعا للمدارس الطبية في أوروبا حتى القرن الرابع عشر..

- أما نيوتن العالم الفيزيائي العظيم فقد كان مهووسا بالفكرة المسيحية القائلة بأن الشيطان سيفك وثاقه بعد ألف عام.. وحينها سيدمر الأرض ويتسبب في قيام القيامة...

- وعندما توفي الطبيب الهولندي الشهير هرمان يورهاف عام 1732 وجد ضمن مقتنياته مظروف غريب كتب عليه "السر الوحيد والنهائي في علم الطب".. وبسبب سمعته الكبيرة بيع المظروف بالمزاد العلني بمبلغ خيالي (حيث سرت شائعة أنه يتضمن وصفة لإطالة العمر). وحين فتحه المالك الجديد وجد فيه كتابا جميع صفحاته بيضاء ما عدا صفحة في المنتصف كتب عليها: "ان أردت ان تعيش صحيحا أحفظ رأسك باردا ورجليك دافئتين" ...

- أما الفيلسوف الاغريقي (العظيم جدا) انكساغورس فقد خالف حقيقة واضحة "وضوح الشمس" حين قال ان الشمس ليست سوى صخرة صغيره ملتهبة تقع على مسافة قريبة من الأرض وهذا الرأي في نظري الأكثر غباء ومخالفة للواقع لأن الصخرة التي يتحدث عنها يتجاوز قطرها 1.392.520 كيلومتر وتبتعد عن الأرض بمسافة 150 مليون كلم...

.. وبدوري سأرتكب حماقة كبيرة لو حاولت التقليل من قدر أولئك العظماء.. ولكنني فقط أحاول تذكيركم بأن حتى العظماء بشر يخطئون ويصيبون، يعلمون ويجهلون، يكتبون وتغلب عليهم النظرة الشخصية.. وبناء عليه من المفروض ان ننمي في أنفسنا موهبة النقد والحكم بتجرد بعيدا عن تأثير الاسم والمنصب وهيبة التقادم.. ولنتذكر سويا بأن الأنبياء وحدهم معصومون من الخطأ...

____________________

فهد عامر الأحمدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق